محمد أمين حمزاوي وقافلة الصمود

 

 المثقف العضوي في قلب التضامن مع غزة

  • المثقف العضوي في زمن الأزمات

في خضم الأزمات الإنسانية والسياسية التي تعصف بالعالم العربي، تبرز أدوار جديدة للمثقفين والفنانين تتجاوز حدود الإبداع الفني لتلامس جوهر الفعل الاجتماعي والسياسي. من هذا المنطلق، يمكن قراءة مشاركة المغني والممثل التونسي محمد أمين حمزاوي في “قافلة الصمود” لفك الحصار عن غزة، انطلاقًا من تونس، في ضوء نظرية أنطونيو غرامشي حول “المثقف العضوي”. فهل كان حمزاوي مجرد فنان متضامن، أم أنه جسّد فعلاً دور المثقف العضوي الذي يتماهى مع قضايا شعبه ويقود التغيير من قلب المجتمع؟

  • نظرية غرامشي: المثقف العضوي مقابل المثقف التقليدي

يرى غرامشي أن المثقف ليس مجرد حامل للمعرفة أو ناقل للثقافة، بل هو فاعل اجتماعي مرتبط عضوياً بطبقة أو جماعة اجتماعية، يسعى إلى التعبير عن مصالحها وقيادتها فكرياً وثقافياً. في المقابل، هناك المثقف التقليدي الذي ينحصر دوره في إنتاج المعرفة بمعزل عن الواقع الاجتماعي والسياسي. المثقف العضوي، وفق غرامشي، هو الذي ينخرط في معترك الحياة اليومية، ويكون لسان حال الجماعات المهمشة، ويعمل على تغيير الواقع لا الاكتفاء بوصفه.

  • حمزاوي: من فنان إلى مثقف عضوي

من خلال مشاركته الفاعلة في قافلة الصمود، تجاوز محمد أمين حمزاوي حدود الفنان التقليدي الذي يكتفي بالغناء أو التمثيل، ليصبح مثقفًا عضويًا بالمعنى الغرامشي. فقد انخرط في الفعل الجماعي، وتماهى مع معاناة الشعب الفلسطيني، وسعى إلى تحويل شهرته الفنية إلى أداة لتعبئة الرأي العام وتحفيز التحرك الشعبي.

  • الانخراط في الفعل الجماعي

لم تكن مشاركة حمزاوي رمزية أو عابرة، بل كانت فعلية وملتزمة. لقد شارك في تنظيم القافلة، تواصل مع المتطوعين، وحرص على نقل تفاصيل الرحلة ومعاناة أهل غزة عبر منصاته الإعلامية. بهذا، أصبح صوته امتدادًا لصوت الجماهير، وجسّد فعلاً دور المثقف العضوي الذي ينحاز لقضايا مجتمعه ويقودها من الداخل.

  • تحويل الشهرة إلى أداة تغيير

وفق غرامشي، المثقف العضوي لا ينعزل عن الطبقة التي ينتمي إليها، بل يستخدم أدواته ومكانته لخدمة قضاياها. حمزاوي، بفضل شهرته وتأثيره، تمكن من تسليط الضوء على معاناة غزة، وجذب انتباه شرائح واسعة من المجتمع التونسي والمغاربي، خاصة الشباب. لقد جعل من الفن وسيلة للنضال، ومن حضوره الإعلامي قوة ضغط أخلاقية وسياسية على الحكومات والرأي العام.

  • قافلة الصمود: فضاء للمثقف العضوي

القافلة نفسها مثلت فضاءً خصبًا لتجسيد مفهوم المثقف العضوي. فقد جمعت نشطاء، فنانين، وأشخاصًا من مختلف المشارب، توحدوا حول هدف إنساني نبيل. في هذا السياق، لم يكن حمزاوي مجرد مشارك، بل كان محفزًا وداعمًا للروح الجماعية، وساهم في بناء وعي جمعي حول مركزية القضية الفلسطينية في الضمير المغاربي.

  • من التضامن إلى الفعل التغييري

وفق غرامشي، المثقف العضوي لا يكتفي بالتضامن الخطابي، بل ينخرط في الفعل التغييري. حمزاوي جسّد هذا البعد من خلال حضوره الميداني، مشاركته في تنظيم القافلة، وتوثيقه لتجربة المشاركين. لقد جعل من الفن والتواصل الاجتماعي أدوات لبناء رأي عام ضاغط، وساهم في تحريك المياه الراكدة حول قضية الحصار على غزة.

  • إعادة تعريف دور الفنان في المجتمع

مشاركة حمزاوي أعادت طرح سؤال جوهري حول دور الفنان والمثقف في المجتمعات العربية: هل يكتفي الفنان بنقل الواقع أم يسعى لتغييره؟ حمزاوي اختار أن يكون جزءًا من الفعل التاريخي، وأن يربط مصيره بمصير شعبه وقضاياه. بهذا المعنى، جسّد نموذج المثقف العضوي الذي دعا إليه غرامشي، والذي يرى أن التغيير يبدأ من الوعي الجماعي والفعل المشترك.

  • رسالة إلى الأجيال الجديدة: الفن كأداة تحرر

من خلال مشاركته في القافلة، وجّه حمزاوي رسالة إلى الشباب بأن الفن ليس ترفًا أو وسيلة شهرة فقط، بل هو أداة تحرر وتغيير اجتماعي. لقد أكد أن لكل فرد دورًا في معركة العدالة، وأن المثقف العضوي هو الذي يربط مصيره بمصير الجماعة، ويعمل على تغيير الواقع لا الاكتفاء بوصفه.

  • المثقف العضوي في زمن التحولات

في زمن التحولات الكبرى والأزمات الإنسانية، تبرز الحاجة إلى مثقفين عضويين من طراز محمد أمين حمزاوي، قادرين على تحويل الفن إلى فعل مقاومة، والشهرة إلى قوة تغيير. لقد أثبتت قافلة الصمود أن المثقف العضوي ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو فاعل في صنعها، وقادر على توحيد الشعوب حول القيم الإنسانية والعدالة. بهذا، يصبح الفن والثقافة أدوات للتحرر، ويصبح المثقف العضوي قلب النضال الشعبي وروحه.

نزهة بن محمد
1 1 التصويت
تقييم المقال

شارك:

نبّهني عن
guest

0 تعليقات
الردود الداخلية
عرض جميع التعليقات

أخبار ذات صلة

آخر الأخبار

حالة الطقس

تونس
22:22, 24/06/2025
temperature icon 27°C
غيوم متفرقة
Humidity 30 %
Pressure 1019 mb
Wind 22 Km/h

استطلاعات الرأي

ما هو رأيك في قرار وزارة العدل اتخاذ إجراءات قانونية لتصدي لظاهرة " المحتويات المنافية للآداب العامة " على تيك توك و انستغرام ؟